التَّـشفِـير طريقة لإرسال المعلومات بحيث يستطيع الأشخاص الذين لديهم مفتاح التعمية فقط الاطلاع عليها وفهمها بينما لا يستطيع أي شخص آخر لا يملك المفتاح معرفتها، ويطلق عليه أحيانا علم التعمية أو علم الكتابة السرية ، أو علم حساب الجُمَّل. وقد تكون هذه المعلومات رسائل مكتوبة أو محادثات هاتفية أو صورًا أو بيانات تنقل عبر وسائل الاتصالات الحديثة أو تحفظ وتعالج بوساطة الحواسيب. ومع التقدم السريع والمتنامي لوسائل نقل المعلومات (الاتصالات) ووسائل تخزينها ومعالجتها (الحواسيب)، فإن أهمية الرسائل المكتوبة أو البريد بدأت تتضاءل من ناحية، ومن ناحية أخرى، ازدادت الحاجة إلى الحفاظ على أمن المعلومات وسريتها. والتشفير (أو التعمية) هو أهم طرق حماية المعلومات وأكثرها كفاءة خصوصًا إذا كانت المعلومات ستنقل على شبكات اتصال سلكية أو لاسلكية يسهل التنصت عليها، أو كانت المعلومات تتبادل في شبكات الحواسيب الحديثة الواسعة الانتشار التي يمكن اختراقها.
ويعالج هذا العلم مسألتين: تتناول الأولى طرق إخفاء المعلومات المرسَلة من جهة لأخرى وهو ما يسمى بالتعمية أو التشفير ، وتختص الثانية بطرق استخراج المعلومات من قِبَل الملتقط للرسائل المعمَّاة، وذلك بدون معرفه المفتاح المتفق عليه بين المتراسلين، وهو ما يسمى بتحليل التعمية أو كسر الشفرة. فالمعمِّي أو واضع التعمية يهدف إلى ضمان سرية الرسالة أو إلى ضمان أصالتها وحمايتها من التحريف أو الادعاء. أما محلل التعمية أو (العدو)، فيسعى إلى الهدف المضاد المتمثل في كسر التعمية ومعرفة محتوى الرسالة السرية أو تحريف محتوى الرسالة، أو تزويرها بشكل يؤدي إلى قبولها على أنها رسالة صحيحة أو أصلية وهي غير ذلك. فهدف التعمية هو ضمان سرية الرسالة أو حماية محتوياتها أو مصدرها من التحريف والتزوير، بينما يهدف تحليل التعمية إلى عكس ذلك تمامًا.
والتعمية في أبسط تعريف لها هي تحويل نص واضح (مكتوب أو منطوق) إلى نص غير مفهوم باستخدام طريقة محددة قد تكون غير سرية تعتمد على مفتاح سري خاص بالمتراسلين، بحيث يستطيع من يملك هذا المفتاح (ويعرف الطريقة) أن يعيد النص المعمَّى إلى أصله الواضح (يستخرج التعمية)، بينما لا يستطيع أي شخص آخر لا يملك هذا المفتاح السري أن يتوصل إلى النص الواضح حتى وإن كان يعرف تفاصيل طريقة التعمية. أما تعريف تحليل التعمية فهو عملية استخدام النص المعمَّى للتوصل إلى النص الواضح، وذلك من قبل العدو أو محلل التعمية الذي لا يعرف مسبقًا المفتاح السري ولكنه قد يعرف طريقة التعمية، بالإضافة إلى معلومات أخرى مثل خصائص اللغة المستخدمة في نقل المعلومات، ومعلومات جانبية إضافية مثل طبيعة الرسالة أو موضوعها.
وفي العصر الحديث، لا يقوم الأعداء وحدهم بمحاولة تحليل التعمية أو كسرها، وإنما يقوم بذلك العلماء الذين يضعون الشفرات أنفسهم، وذلك بهدف تحديد مدى قوة طرق التعمية ومتانتها وتشخيص نقاط الضعف فيها. وهذه المعركة بين المعمِّي ومحلل التعمية قائمة سجالاً منذ أكثر من ألفي عام، فالأول يحاول اختراع طرق للتعمية يظن أنها تستعصي على الكسر، بينما يعمل الثاني جاهدًا على تحليل هذه الطرق وكسرها.
أنظمة التعمية التقليدية الشائعة
أنظمة التشفير. تنقسم طرق التعمية التقليدية إلى قسمين رئيسيين: التعمية بالقلب والتعمية بالتبديل. ويمكن استخدام القلب أو التبديل أو كليهما. ففي طريقة القلب، يقوم المعمِّي بتغيير مواقع حروف النص الواضح وفق قاعدة محددة دون تغيير الحروف أنفسها. ويتم في البداية تقسيم النص الواضح إلى مجموعات، كل منها ذات طول محدد (مثلاً مجموعات من خمسة أحرف) ثم يتم تغيير مواقع الحروف ضمن كل مجموعة بطريقة معينة يحددها المفتاح السري. وعلى سبيل المثال، فالرسالة الواضحة مثلاً ¸الهجوم يبدأ فجر غد· تقسم إلى مجموعات يتكون كل منها من خمسة أحرف ¸ال هـ ج و ـ م ي ب د أ ـ ف ج ر غ د· ثم تبدل الحروف فتصبح الرسالة المعماة ¸جاهول دمبأي غفردج·.
أما التعمية بالتبديل، فهي أن يتم تبديل كل حرف (أو حرفين أو كلمة) من النص الواضح للرسالة بحرف أو رمز أو رقم أو كلمة بطريقة معينة يحددها المفتاح السري. ومن أمثلة التعمية بالتبديل ما يلي:
- تعمية ¸إبراهيم· بتبديل كل حرف بالحرف الذي يليه بثلاثة أحرف حسب الترتيب الأبجدي كما في الجدول المبين لتصبح ¸دهثدحمع·.
- تعمية ¸إبراهيم· بالأرقام ¸1، 2، 200، 1، 5، 10، 40· حسب حساب الجمَّل، أو بالأرقام ¸1، 2، 20، 1، 5، 10، 13· حسب الترميز العشري من الجدول (1). انظر: حساب الجمل.
- تعمية ¸إبراهيم· بالحروف ¸أ، أأ، عقل، أ، جب، حب، لي· باستعمال حساب الجمل وتحليل الأعداد الناتجة إلى مجموعة أحرف.
- تعمية ¸إبراهيم· بالكلمة ¸بدتبيكف· باستعمال حساب الجمل ثم تضعيف الأعداد الناتجة وإعادتها إلى حروف مرة أخرى.